المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدة
By
Syeikh Prof. Dr Wahbah Mustafa Az-Zuhayli
المشاركة من حيث المبدأ هي: من شركات الأموال التي تقوم على الاشتراك أو المتاجرة في رأس المال، بقصد تحقيق الربح، في إقامة بعض المشروعات الزراعية أو الصناعية أو العمرانية أو التجارية ونحوها. وتنقسم بحسب النشاط الاقتصادي المتفق عليه إلى نوعين: مشاركة ثابتة أو دائمة، ومشاركة متناقصة تنتهي بالتمليك.
والمشاركة المنتهية بالتمليك هي في عصرنا الحاضر: تنشأ غالباً بين مصرف وشخص طبيعي <إنسان> أو اعتباري <مؤسسة> يمنح فيها الحق لأحد الشريكين بتملك حصة الشريك الآخر إما دفعة واحدة، أو بالتدرج على مراحل أو دفعات، بمقتضى شروط متفق عليها، وبحسب طبيعة العملية أو المشروع، حيث يقوم الشريك <وهو المتعامل مع المصرف> بشراء حصة المصرف بعد مدة معينة.
والمشاركة الثابتة أو الدائمة: هي التي يقصد بها الاستمرار أو البقاء في الشركة إلى حين انتهائها. وهذه هي الحال القديمة أو الغالبة. وهي تحقق مصلحة الشركاء في عدد من المشاريع بتمويلهم بجزء من رأس المال مقابل اقتسام ناتج المشروع بحسب الاتفاق.
والمشاركة المتناقصة: هي التي يتفق فيها الشريكان على امكان التنازل من أحد الطرفين عن حصته في المشاركة للطرف الآخر، إما دفعة واحدة أو على دفعات، بحسب شروط متفق عليها.
والفرق بين هذين النوعين ينحصر في شيء واحد هو عنصر الاستمرار، أو الدوام. ففي المشاركة الثابتة أو الدائمة يقصد كل شريك البقاء في الشركة، دون نية الخروج منها، إلا بانتهاء الشركة أو فسخها أو استنفاد أغراضها.
وأما في المشاركة المتناقصة فيظل كل شريك متمتعاً بحقوقه، ملتزماً بجميع التزاماته، لكن أحدهما وهو المصرف في الغالب لا يقصد منذ بدء التعاقد البقاء في الشركة إلى وقت انتهائها، وإنما يمنح الحق للشريك الآخر في الحلول محله في ملكية المشروع، في حين أن المصرف في الشركة الدائمة يقصد البقاء في الشركة حتى نهايتها.
وكل من هذين النوعين من المشاركة جائز مشروع في الإسلام، لأنه لا يتصادم مع شيء من أصول الشريعة ونصوصها، وإنما يكون الاتفاق فيهما إعمالاً لمبدأ التراضي وحرية التعاقد أو حرية الإرادة، حيث لا يكون في هذا الاتفاق مصادمة مع مقتضى العقد أو نصوص الشريعة أو غاياتها. ومن المعلوم أنه يصح كل شرط في العقد بإجماع الفقهاء ما لم يكن منافياً لمقتضى العقد بحيث يلغيه، وما لم يرد بشأنه نص خاص يمنعه أو يصادم قاعدة عامة قطعية في موضوعه.
وأضاف متأخرو الحنابلة أن الشرط الصحيح هو مالا ينافي مقتضى العقد، سواء أكان يقتضيه أم لا يقتضيه، بأن كان زائداً عليه، وسواء أكان مما يلائمه أم لا، ولو كان فيه مصلحة أو منفعة مطلوبة لأحد المتعاقدين، وسواء جرى به العرف أم لا. وفي الجملة: إن الشرط الصحيح عندهم هو ما لم يكن منافياً لمقتضى العقد ولا منافياً للشرع(1).
والشريك حر التصرف في ملكه، لأن الشركة عقد غير لازم، فله في أي وقت الخروج من الشركة، وله تمليك شريكه حصته دفعه واحدة أو على دفعات. والوعد الصادر من الشريك بتمليك شريكة حصته في المستقبل لا يمس جوهر التعاقد، بل إن فيه مصلحة للطرفين، ولا يخل بنظام الشركة ومسيرتها، ولا يعكر وجودها إذا قام الشريك الآخر بشراء حصة شريكه كلها أو بعضها في عقود متلاحقة أو متتابعة، فهذا من طبيعة الشركة، فهي إما دائمة، أو مؤقتة، سواء وجد وعد أو لم يوجد. ثم إن اللجوء للشركة المتناقصة يعد طريقاً تعاونياً مجدياً لحل مشكلة المحتاج لبناء ونحوه مع تفادي الربا. وصفة هذا العقد: أنه يشتمل على الأوصاف التالية(2):
- 1. كونه شركة عنان، وليس فيه ما يتعارض مع هذه الشركة، ولا ما يخالف نصاً شرعياً أو قاعدة شرعية كلية، فهو عقد جائز.
- 2. وعد من أحد الشريكين وهو المصرف غالباً ببيع حصته للشريك الآخر.
- 3. بيع الشريك حصته بعقد مستقل عن الشركة إما كلياً وإما جزئياً، دفعة واحدة أو على دفعات وليس هذا العقد من قبيل بيع الوفاء، لأن هذا بيع يغلب عليه صفة الرهن وأحكامه، والمشتري مالك من جهة وغير مالك من جهة أخرى، أما المصرف في المشاركة المتناقصة، فهو مالك ملكاً تاماً بصفة الشركة، وله جميع حقوق الشريك، ويلتزم بجميع التزامات الشركة. كل ما في الأمر أنه يتضمن وعداً من المصرف ببيع حصته إذا دفع له الشريك الآخر ثمن الحصة، إما مرة واحدة أو كلياً، وإما على مراحل أو مرات متعاقبة.
شروط جواز المشاركة المتناقصة:
لا تختلف شروط جواز المشاركة المتناقصة عن شروط المشاركة الدائمة، وقد اشترط مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي ثلاثة شروط لهذه المشاركة وهي:
- 1. ألا تكون المشاركة المتناقصة مجرد عملية تمويل بقرض، فلابد من إيجاد الإرادة الفعلية للمشاركة، وتقاسم الربح بحسب الاتفاق، وأن يتحمل جميع الأطراف الخسارة.
- 2. أن يمتلك المصرف <البنك> حصته في المشاركة ملكاً تاماً، وأن يتمتع بحقه الكامل في الإدارة والتصرف. وفي حالة توكيل الشريك بالعمل، يحق للبنك مراقبة الأداء ومتابعته.
- 3. ألا يتضمن عقد المشاركة المتناقصة شرطاً يقضي بأن يرد الشريك إلى البنك كامل حصته في رأس المال، بالإضافة إلى ما يخصه من أرباح، لما في ذلك من شبهة الربا.
صور المشاركة المتناقصة:
للمشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك، ويستثمر المصرف أمواله فيها، صور ثلاث(3):
الصورة الأولى: هي التي يتفق فيها البنك مع <متعامله> على تحديد حصة كل منهما في رأس مال المشاركة وشروطها، وهي جائزة شرعاً إذا تم بيع حصص البنك إلى المتعامل بعد إتمام المشاركة بعقد مستقل، بحيث يكون للبنك حرية بيع حصصه للمتعامل شريكه أو لغيره، كما يكون للمتعامل الحق في بيع حصته للبنك أو لغيره. وهذه أوضح الصور حيث ينفصل عقد البيع عن عقد الشركة بنحو واضح تماماً.
الصور الثانية: وهي التي يتفق فيها البنك مع متعامله على المشاركة في التمويل الكلي أو الجزئي لمشروع ذي دخل متوقع، وذلك على أساس اتفاق البنك مع الشريك الآخر، لتحصيل البنك حصة نسبية من صافي الدخل المحقق فعلاً، مع حقه بالاحتفاظ بالجزء المتبقي من الإيراد أو أي قدر منه يتفق عليه، ليكون ذلك الجزء مخصصاً لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل، أي أن هذه الصورة يتم فيها سداد بعض قيمة الحصة من الغلة الناتجة.
الصور الثالثة: وهي التي يحدد فيها نصيب كل من البنك وشريكه في الشركة في صورة أسهم تمثل مجموع قيمة الشيء موضوع المشاركة <عقار مثلاً> ويحصل كل من الشريكين <البنك والشريك المتعامل> على نصيبه من الإيراد المتحقق من العقار. وللشريك إذا شاء أن يقتني من هذه الأسهم المملوكة للبنك عدداً معيناً كل سنة، بحيث تكون الأسهم الموجودة في حيازة البنك متناقصة، إلى أن يتم تمليك شريك البنك الأسهم بكاملها، فتصبح له الملكية المنفردة للعقار دون شريك آخر. وهذه صورة التملك التدريجي لحصة البنك، وهي أكثر الصور انتشاراً، فإن الشريك المتعامل يقوم بسداد المصرف ثمن حصته دورياً من العائد الذي يؤول إليه، أو من أي موارد خارجية أخرى، وذلك خلال فترة مناسبة يتفق عليها، وعند انتهاء عملية السداد يتخارج البنك من المشروع، ويتملك بالتالي الشريك المتعامل المشروع الاستثماري كله، محل المشاركة(4).
الوعد بالتمليك أو الوعد بالتملك دون المواعدة الملزمة للطرفين:
لا مانع كما تقدم من صدور وعد من المصرف للمتعامل معه في الشركة المتناقصة بتمليك حصته بقيمتها السوقية، وهو وعد أخلاقي وديني من جانب واحد لا ضرر فيه ولا يتنافى مع الشرع أو مقتضى العقد، أما المواعدة الملزمة للطرفين فهي أشبه بتعاقد ضمني يجر الموضوع إلى عقدين في عقد، وهذا منهي عنه، فلا يستساغ اللجوء إليها في الشركة المتناقصة ونحوها، ويكون إنجاز الوعد مشروطاً بشرط إبرام البيع بصفة مستقلة لا صلة له بعقد الشركة، ويتم البيع إذا قام المشتري بتسديد قيمة الحصة المشتراة. وقد أصبح هذا الوعد من جانب واحد معمولاً به في حالات مشابهة، منها بيع المرابحة المقترنة بوعد بالشراء من العميل على أن يتم تفادي صورية بعض العقود، وتفريغ العملية من أصولها الشرعية، وتجنب شبهة الإقراض بفائدة، ويظهر ذلك حين الإكثار من هذا التعاقد، أما في حال حسن النية واللجوء إلى هذا العقد أحياناً، فلا مانع منه فقهاً، عملاً بما أقره الإمام الشافعي رحمه الله، مع إعطاء الخيار لأحد الطرفين. والوعد من جانب واحد ملزم له ديانة، ويحرم الخلف في الوعد، لأن مخالفة الوعد كذب ونفاق، ولقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) المائدة: 1، وهذا متفق عليه. أما الإلزام بالوعد قضاء: فلا يقول به جمهور العلماء. ومع ذلك نجد بعض المفتين يقول بالإلزام القضائي، منهم بعض الصحابة <ابن عمر وسمرة بن جندب> وبعض التابعين <عمر بن عبدالعزيز والحسن البصري> وبعض الفقهاء <ابن شبرمة واسحاق بن راهويه، وابن الأشوع قاضي الكوفة بعد المئة> وبعض المحدثين <البخاري> وجعل ابن القيم الوعود مع العقود والعهود والشروط الواجب الوفاء بها، وذهب المالكية في الشهير عندهم في باب الإحسان والمعروف، أي التبرعات لا المعاوضات إلى القول بوجوب الوفاء بالوعد والإلزام القضائي به إن صدر بسبب، ودخل الموعود من أجله في نفقة أو كلفة شيء التزمه، ومن قواعد الحنفية: <المواعيد بصور التعاليق تكون ملزمة> (م48 مجلة)(5).
ويُستأنس لهذا الاتجاه بقرار مؤتمر المصرف الإسلامي في دبي في جعل الوعد ملزماً، حيث جاء فيه: <إن ما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك، وأمكن للقضاء التدخل فيه>. وللقاضي التعزير في كل معصية لأحد فيها ولا كفار، وخلف الوعد معصية، ومن أمارات النفاق العملي، لا العقدي.
الطرق المتبعة في تناقص ملكية الجهة الممولة تدريجاً:
كل شركة يقصد بها الربح، مع احتمال تعرضها للخسارة، وكل شركة هي عقد غير لازم، يجوز لأحد الشريكين فسخه وإنهاؤه في أي وقت، ولا أرى مانعاً شرعياً يمنع المصرف الإسلامي من تمليك حصته للشريك المتعامل معه إما دفعة واحدة، وإما على مراحل، فيتنازل عن ملكيته في رأسمال الشركة إلى الشريك العميل، بحسب الاتفاق الحاصل بينهما، بعد أن حقق المصرف مصلحته، بتقاضي الربح عن المدة الماضية خلال فترة مشاركته، ثم يسترجع ما أسهم به من مال في تكوين رأس مال الشركة·
وتتعدد طرق تناقص ملكية المصرف (الجهة الممولة) كما أتضح سابقاً في بيان صور المشاركة المتناقصة، وأشهر هذه الطرق ثلاث.
أ ـ التملك لحصة الجهة بمقدار العائد المستحق للمتملك بجعله ثمناً للحصص المشتراة:
يتم هذا التملك لبعض ممتلكات الشركة أو بعض أسهمها بين المؤسسة المالية (المصرف) أو أي شخص عادي، وبين الشريك المتعامل، بنحو بطيء، وهو كثيراً ما يحصل، لأن العميل لا يملك مالاً، وإنما يملك حصته من الربح أو العائد الناتج، فيشتري به من حصة المصرف بمقدار هذا العائد الذي يجعله ثمناً لكل حصة مشتراة على حدة، وهو تملك تدريجي تنقص به ملكية المصرف مثلاً، وتزداد ملكية العميل شيئاً فشيئاً إلى أن يتم تملك جميع حصة المصرف في نهاية الأمر، وهذا يتطلب إبرام عقود بيع وشراء متتابعة أو متلاحقة، تختلف فيه كل صفقة في حجمها عن الأخرى، بحسب ما يتيسر للعميل الشريك من دخل جديد ناجم عن العائد المستحق للمتملك من عوائد الشركة أو أرباحها، ويتحدد الثمن بحسب القيمة السوقية لكل حصة مشتراة. وحينئذ تتناقص ملكية المصرف، وتزداد ملكية العميل تدريجاً، وهو عمل تجاري استثماري مشروع، لأن الشراء يقع على الكثير والقليل مما له قيمة مالية، ولأن أساس البيع هو التراضي، مع اشتراط كون المبيع معلوماً والثمن معلوماً.
ب ـ التملك لأسهم محددة دورياً بعد تقسيم المشاركة إلى أسهم:
هذه الطريقة هي الغالبة في عمليات الشركة المتناقصة، لسهولة تحديد المبيعات من الأسهم المملوكة للمصرف البائع ونحوه في كل عقد بيع مستقل، وهي طريقة كسابقتها سائغة شرعاً، يتم فيها البيع دورياً لمجموعة من أسهم المشاركة بين الطرفين، ويدفع العميل الشريك ثمن الأسهم المشتراة في كل مرة، فتزداد حصته، وتتناقص أو تجف تدريجاً حصة البائع وهو المصرف أو أي شخص عادي آخر.
ويحدث هذا عادة منذ القديم بين الجيران في الدور المتلاصقة وغيرها في غير حال الاستثمار أو قصد التمويل، وهو تصرف يتناسب مع إمكانيات الناس المالية وظروفهم في الماضي، وتسوية المشاركات وتصفيتها مع مرور الزمان في العصر الحاضر.
ج ـ التملك لحصص غير محددة بحسب امكان المتملك:
هذا وعد بالتمليك لحصص غير محددة بمقدار معين، وإنما بحسب ملاءة أو قدرة المشتري المتملك، ومثل هذا الوعد جائز لأنه مجرد عرض للحصة، ويتم تقديرها حينما يتم إبرام العقد، فيتفق الطرفان على تعيين مقدار المبيع، وتحديد القيمة أو الثمن بحسب سعر الشيء في الأسواق، فإذا أبرم العقد، زال الإشكال، ولم يكن هناك أي مانع من الجواز. أما إذا تم البيع دون تعيين مقدار المبيع أو مع جهالة الثمن، فيكون فاسداً، ويأثم به العاقدان، ويكون الثمن سحتاً خبيثاً، ويجب نقض هذا البيع.
ويشترط بالاتفاق في حال تعيين مقدار الحصة المبيعة أن تقدر الحصة بالقيمة السوقية لا بالقيمة الاسمية، جاء في الفتوى (33) من فتاوى هيئة الفتاوى والرقابة الشرعية لبنك دبي الإسلامي ما يلي:
<بحثت الهيئة مسألة تقويم الحصص التي تباع للعميل في حال مشاركة البنك لعملائه في العقارات وغيرها مشاركة متناقصة تنتهي بتمليك العين كاملة لعميل البنك، وهل يتم تقويم تلك الحصص بقيمتها السوقية وقت البيع أو بثمنها المحدد في عقد المشاركة. وقد رأت الهيئة أن القواعد الشرعية التي تقضي بمنع الغبن وعدم البخس، تمنع الأخذ بالقيمة المحددة في عقد المشاركة، لأن التغير المستمر في قيم الأشياء بالزيادة أو النقصان، سيؤدي إلى غبن أحد الأطراف المشاركة. وبناء عليه، فإن قيمة الحصة المبيعة للعميل يتم تقويمها بقيمتها الجارية وقت البيع، حسب قوانين العرض والطلب، على أن يتولى التقويم خبير عادل مؤتمن.
ضوابط تمليك الجهة الممولة حصتها للطرف الآخر:
لابد من توافر الشروط السابقة لتمليك المصرف مثلاً حصته للعميل، وتطبيقات تلك الشروط تبتني فيما يلي:
أ ـ التملك بالقيمة السوقية، لا بأصل المبلغ المقدم للمشاركة، لتجنب ضمان رأس مال المشاركة:
لا يصح هذا التمليك أو التملك إلا بما يتفق مع الحق والعدل، ومنع الغبن وعدم البخس في الثمن، وهذا يتطلب أن يتم البيع بين الشريكين على أن يشتري أحدهما حصة الآخر أو نصيبه من رأس مال الشركة بالقيمة السوقية حسب الاتفاق، لا بالقيمة الاسمية أو قيمة الحصة وقت المشاركة، لأن الشريك أمين على مال الشركة، لا ضامن لرأس مال الشركة. وأما الأرباح <أرباح المثل>: فيتم احتسابها في ضوء الإنجاز الماضي لأعمال الشركة، فيستحق البائع نصيبه من الأرباح عن الماضي إلى حين وجود البيع.
وأما الخسارة: فتقسم على قدر حصة كل شريك في رأس المال، ولا يصح اشتراط خلاف ذلك، لأن القاعدة الشرعية هي: <الربح على ما شرطا، والوضيعة على قدر المالين>·
ب ـ التملك بعقد بيع في حينه، لا ببيع مضاف:
من المعلوم أن عقد البيع يتطلب التنجيز في الوقت الذي يتم فيه، ويترتب عليه انتقال المالكية حينئذ بعد إبرام البيع، لأن أثره فوري يحدث بعد الإيجاب والقبول. ولا يجوز إضافة أثر البيع للمستقبل، لأن البيع لا يقبل الإضافة للمستقبل، ولا التعليق. وهذا هو المنسجم مع طبيعة عقد البيع وهي التنجيز.
ج ـ التصرف في موجودات المشاركة في حال الإخفاق في تناقصها(6):
إذا تعرضت الشركة لما يهدد وجودها أو استمرارها، أو التعرض لنقص مبيعاتها، أو العجز عن استيفاء ديونها أو حقوقها على الآخرين الذين يتعاملون معها، أو حال تعثر تنفيذ الوعد بتناقص ملكية أحد الشركاء، يكون التصرف في موجوداتها على النحو الأصلي السابق، أو النحو الذي يحدث في حال تصفيتها، فيتم بيعها وتوزيع الثمن على الشركاء بنسبة حصة كل شريك في رأس مال الشركة، لأن الخسارة توزع بنسبة الحصص القائمة فعلاً سواء في حال الزيادة لحصة شريك أو تناقصها، وفي حال بقاء الشركة يبقى كل شريك حر التصرف في حصته، سواء للشريك الآخر أو لغيره.
د ـ تحميل أعباء المشاركة لوعاء المشاركة دون أحد الطرفين:
إن مختلف الالتزامات أو الديون أو الأعباء يتحملها جميع أعضاء الشركة بنسبة حصصهم، ولا يجوز أن يتحمل أحد الشركاء العبء الواقع على الشركة دون بقية الشركاء، لأن الشركة ملك الكل، لهم مغانمها وعليهم مغارمها. والشركاء إما متساوون في تملك الحصص وإما متفاوتون، وتقتصر مسؤولية الشريك على مقدار حصته في رأس المال، سواء كانت المشاركة بصفة دائمة أو متناقصة، ولا يسأل الشريك إلا بمقدار الجزء الباقي له بعد تناقص ملكيته.
الخاتمة
الشركة المتناقصة إحدى أدوات الاستثمار القصيرة الأجل كالمرابحة والسلم والاستصناع والإجارة المنتهية بالتمليك، وهي أداة ناجحة تنقذ المتعاملين من التورط في الربا وغيره من المحرمات شرعاً.
وهي التي يتفق فيها الشريكان على امكان التنازل من أحد الطرفين عن حصته في المشاركة للطرف الآخر، إما دفعة واحدة، أو على دفعات بحسب شروط متفق عليها. ويظل فيها كل شريك متمتعاً بحقوقه، ملتزماً بجميع التزاماته، إلى أن يتم الخروج من الشركة. ومشروعيتها واضحة، لأنها لا تتصادم مع أصول الشريعة أو نصوصها، ولا تتعارض مع مقتضى العقد، وتحقق مصلحة للمتعاقدين دون إضرار، ما دامت قائمة على التراضي، دون معارضة لشيء من أحكام الشرع. وصفتها أنها شركة عنان، تتضمن مجرد وعد من أحد الشريكين وهو المصرف غالباً في عصرنا ببيع حصته للشريك الآخر، بعقد مستقل عن الشركة، إما كلياً وإما جزئياً، دفعة واحدة، أو على دفعات. وليست هي خلافاً لما يتصور بعض المعارضين من قبيل بيع الوفاء، لأن هذا البيع يغلب عليه صفة الرهن وأحكامه، فيكون المشتري مالكاً من جهة، وغير مالك من جهة أخرى، أما المتنازل عن حصته من خلال الشركة المتناقصة فيظل مالكاً لحصته ملكية تامة، ويستحق جميع حقوقه في الشركة، ويلتزم بجميع التزاماته إلى حين الخروج كلياً من الشركة، أو جزئياً مع بقائه في الشركة في بقية حصته.
ويشترط لجواز هذه الشركة ثلاثة شروط هي:
1 ـ ألا تكون مجرد عملية تمويل بقرض.
2 ـ وأن يمتلك المتنازل حصته في المشاركة ملكاً تاماً إلى حين التنازل.
3 ـ ألا يتضمن العقد شرطاً يقضي بأن يرد الشريك إلى البنك كامل حصته في رأس المال وحصته في الأرباح، منعاً من الوقوع في الربا وشبهته، وتجنباً لضمان مال المشاركة.
وصور هذه الشركة ثلاث:
الأولى: هي التي يتفق فيها المتنازل مع شريكه على تحديد حصة كل منهما في رأس مال الشركة وشروطها، ثم يتم التنازل عن بعض حصته أو كلها بعقد منفصل عن عقد الشركة.
الثانية: وهي التي يتفق فيها المتنازل مع شريكه على سداد قيمة الحصة المبيعة من الغلة الناتجة.
الثالثة: وهي التي يحدد فيها نصيب كل من الشريكين في الشركة في صورة أسهم، ويكون التنازل عن بعض هذه الأسهم كل سنة بشيء منها، وهي أشهر صور التملك التدريجي لحصة شريك من قبل الشريك الآخر.
أما الوعد بالتمليك أو التملك ولو كان ملزماً لطرف دون آخر، فلا يخل بنظام الشركة أو وجودها شرعاً، لأنه لا يعكر شيئاً من أحكامها ومقوماتها.
والطرق المتبعة في تناقص ملكية الجهة الممولة تدريجاً أشهرها ثلاث:
1 ـ التملك لحصة المتنازل بمقدار العائد المستحق للمتملك بجعله ثمناً للحصص المشتراة.
2 ـ التملك لأسهم محددة دورياً بعد تقسيم المشاركة إلى أسهم.
3 ـ التملك لحصص غير محددة بحسب امكان المتملك، يتم تحديدها في عقد البيع المنجز أثناء قيام الشركة.
وضوابط تمليك الجهة الممولة حصتها للطرف الآخر تظهر فيما يلي:
أ ـ التملك بالقيمة السوقية، لا بأصل المبلغ المقدم للمشاركة لنجنب ضمان رأس مال المشاركة، ولتوافق ذلك مع الحق والعدل، واجتناب الغبن، وعدم بخس الثمن·
ب ـ التملك بعقد بيع في حينه، لا ببيع مضاف لوقت في المستقبل، وهذا ينسجم مع طبيعة مشروعية البيع·
ج ـ التصرف في موجودات المشاركة في حال الإخفاق في تناقصها، وهو الوضع الأصلي الذي يقوم عليه نظام مشاركة الشريك فهو حر التصرف بحسب الاتفاق، لأنه يظل مالكاً لحصته قبل البيع، سواء تم التنازل أو البيع لشيء من حصته أو لكل حصته·
د ـ تحميل أعباء المشاركة لوعاء المشاركة دون أحد الطرفين، وهذا أيضاً مقتضى عقد الشركة، أما تحمل أحد الشركاء بعض الأعباء فهو مناف لما تقوم عليه الشركة من المساواة والعدل بنسبة ما يملكه كل شريك، والشركاء في الحقوق والواجبات سواء·
الهوامش
(1) الفقه الإسلامي وأدلته للباحث 4/002، الفقه المقارن أ· د· فتحي الدريني: ص026
(2) المعاملات المالية المعاصرة د· عثمان شبير: ص143 وما بعدها.
(3) انظر قرارات وتوصيات مؤتمر المصرف الإسلامي الأول بدبي الذي شاركت فيه، فتوى رقم (01).
(4) أدوات الاستثمار الإسلامي ـ دلة البركة، د· عز الدين خوجة: ص501.
(5) ومن المعلوم أن التفرقة بين الاعتبار الدياني والاعتبار القضائي هو اصطلاح الحنفية فقط، دون غيرهم حيث لا تفرقة بينهما عندهم، وقد أفاض الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين في جعل الوعد الكاذب من آفات اللسان المحرمة شرعاً.
(6) يلاحظ أن العبارة غامضة غير مفهومة في أصل الخطة الموضوعة·
بقلم: د· وهبة مصطفى الزحيلي رقم العدد:- 449 -الشهر: 4 السنة- 3 مجلة الوعي الإسلامي - دولة الكويت
Add this page to your favorite Social Bookmarking websites